Al Makassed Organization

تأسيس جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية - :  اول بيان سنوي للجمعية

حمد لك يا من يسرتنا لتأليف جمعية تقوم بمقاصدنا الخيرية. وكل ميسر لما خلق له. وشكراً لك يا من وفقت أعمالنا بنياتنا الخالصة الطوية. والأعمال بالنيات. وثناء عليك منا بما أوليتنا من نجاح وهمم راضية مرضية. ولكل أمرهما نوى. فظهرنا بمظهر قولك "وتعاونوا على البر والتقوى". مخلصين لك الأقوال والأفعال في السر والنجوى، لا أمل لنا إلا بوعدك: ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله والله لا يضيع أجر المحسنين وصلاة وسلاما دائمين متلازمين على من أعلن مقاصدنا بقوله "الخير فيَّ وفي أمتي الى يوم القيامة" أفضل أنبيائك سيدنا محمد الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر القائل "الخلق كلهم عيال الله وأحبهم اليه أنفعهم لعياله" وعلى آله وأصحابه السادة الأماجد الذين أسسوا جمعياتهم على أفضل المقاصد.

مقدمة:

وبعد فإن هذه المجموعة السنوية تحتوي على أعمال جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية التي إنتظمت في بيروت ليلة غرّة شعبان المعظم لسنة خمس وتسعين ومائتين وألف للقيام بقضاء حاجات سيأتي الكلام عليها وتحتوي أيضاً على مجموع وارداتها ومصارفاتها وجهاتهما في سنة وستة أشهر إعتباراً من ليلة تأليف الجمعية الى ختام سنة 1296 ومقدمتها تتكلم عن ملخص أعمال الجمعية وما صادفته الى يومنا هذا وقد سميناها الفجر الصادق وسننشرها إن شاء الله تعالى في رأس كل سنة بأوقاتها المقررة توفيقا لنص قانون الجمعية الداخلي لأن تأخرنا هذه السنة عن المسارعة الى نشرها كان ناشئاً من ألحاق أعمال الجمعية في الأشهر الستة الأخيرة بأعمال السنة الأولى تسهيلاً لزيادة الإطلاع على أعمال الجمعية وتطبيقاً للإمور الحسابية الجارية فيها بالتواريخ الهجرية.

الأسباب التي دعت لتأليف الجمعية مع بيان أعمالها:

لا يخفى على كل ذي بصيرة من أبناء الوطن أنه منذ مدّة ليست بقصيرة أخذت الطوائف المختلفة الموجودة فيه تؤلف جمعيات خيرية تقوم بمصالحها اللازمة كإفتتاح مدارس للذكور والإناث يتعلمون بها أنواع العلوم والمعارف واللغات جاعلة واردات أوقافها المضبوطة بيدها رأس مال لأعمالها مستندة على ما يتبرع به أولو البر والإحسان من طوائفها وعلى مساعدات الأجانب المالية وقد خصصت للإبتدائية من هاته المدارس الأماكن المناسبة وللداخلية القصور العالية واستحضرت لها معلمين بارعين ووجهت خواطرها في الدرجة الأولى الى تعليم اولادها لغات الأجانب الذين لهم مع بلادنا الإتصاليات التجارية والأذكياء منهم علوم الطب والجراحة والكيمياء والرياضيات وغيرها أيضاً من العلوم المفيدة الضرورية للأوطان التي هي أساس التقدم والعمران فما مضت مدّة على سيرها بهذه الطريق إلا وقد إنتشرت بينها أشعة شموس تلك العلوم والمعارف واللغات فاهتدت أبناؤها بأنوارها الى إيجاد المطابع ونشر الجرائد وتطبيب المرضى الفقراء في المستشفيات العمومية فضلاً عن معرفة الوسائط المؤدية لكسب المال والراحة والرفاهية وغير ذلك من الأمور المحبوبة للإنسان ولما كانت تلك الجمعيات طائفية محضة كانت أعمالها الخيرية قلما تتخطى دائرة طائفة غيرها أما الطائفة الإسلامية فإنها كانت غافلة عن ذلك نحو خمس عشرة سنة مقتصرة من المدارس على بعض زوايا مهجورة مملؤة بالعفونة والرطوبة مما يضر بصحة الأولاد العمومية ومن المعلمين على المشايخ العميان الذين لا ننكر فضلهم لأنهم قاموا بواجباتهم على قدر استطاعتهم ومن الأطباء على أناس من الحلاقين والحجامين وبقيت محرومة من الفوائد التامة بالمدارس الملقبة بالعمومية لأن مبادئ تعليمها لا توافق المشرب الإسلامي من وجوه معلومة، كيف لا وقد يشترط في بعضها على التلامذة الخضوع لدين المدرسة. نعم يوجد من طرف الحكومة السنية مكاتب الرشدية الملكية والعسكرية وهي وإن كانت عمومية إلا أنها لا تقبل المبتدئين من التلامذة الذين إذا لم يكن في طائفتهم مدارس ترشحهم للدخول الى هاتيك المكاتب حرموا منها.

وهكذا كانت القوة الدافعة الى التأخر في الطائفة الإسلامية المنبعثة من هذه الموانع والمصادر تعادل القوة الجاذبة الى التقدم بمغناطيس المدارس والمكاتب في الطوائف الأخرى التي مر ذكرها مما كاد يقضي على مجموع جسم وطننا العزيز بالمرض العضال الذي انتعشت بمستقبله روح العصر لأن تأخر هذه الطائفة التي هي أكثر عدداً أثر أيضاً بتقدم غيرها تأثيراً كبيراً مما جعل كثيراً من العقلاء يحكمون بلزوم جعل هذه الجمعيات الطائفية عمومية تخدم مقاصد ذات مبدأ واحد وذلك لإنتفاع مجموع جسم الوطن بها إذ أن تقويّة عضو منه دون آخر لا تأتي بالفائدة المقصودة فضلاً عما ينشأ بذلك من التباين والتنافر بين طوائفه بالنظر لتفرّق المبادئ والمقاصد بأمر التعليم وأقاموا على ذلك دليلاً وهو أن تقدم تلك الطوائف ذوات الجمعيات ما زال مثقلاً بتأخر بقية الطوائف الخالية عنها فهو كأن لم يكن من حيث الفائدة العمومية التي هي كالروح للجسم ولكن إن شاء الله تعالى سيعترف كل من بيده الحل والربط بلزوم إتحاد هذه الجمعيات الخادمة للإنسانية والفقراء إذ كل منها يسعى لمقصد واحد فتفرقها بالسير للوصول الى هذه الغاية لا ينتج سوى العافة وإن كانت الأمور مرهونة بأوقاتها على أنه طالما أحست الأمة الإسلامية في وطننا العزيز بلزوم تأليف جمعيات لها تخدم هذه المبادئ إلا أن تفرق الكلمة في أمرها كان مانعاً لظهور هذه النيات الخيرية من حيز القوة الى حيز الفعل لكن في المدة الأخيرة تمكنت الضروريات من أن تبلغ مسامع شبان هذه الطائفة احتياجها لتأليف جمعية تقوم بمصالحها الخيرية فورت نار زند هممهم الكامنة وتحركت بها حميتهم وغيرتهم الجامدة فقاموا متعهدين بخدمتها في الليل والنهار مخلصين النية مستمدين من العون الإلهي ومستندين على الروحانية النبوية ومسترشدين بنصائح أولي الفضل من أعيان الوطن الذين يهمهم نجاحه وتقدمه مؤملين المساعدة من دولتنا العلية العثمانية خلّد الله سرير ملكها الى آخر الدوران ما دام الملأ وتعاقب الملوان آمين إذ هي الحكومة التي تهمنا ونهمها ونعتمد بعد الله عليها فإنها أدامها الله علينا ترغب في أن تجعل مساعداتها لسائليها في ضمن دائرة استعدادهم وقابليتهم فهي كما قال الشاعر:

هي الشمس تعطي الشيء ظلاً بقدره

فإن قصّرت يوماً فمنا قصورها

وهكذا اتحدت الهمم الشبانية في بيروت على تأليف جمعية إسلامية خيرية، فتم ذلك بالمساعدات الإلهية ليلة غرة شعبان لسنة خمس وتسعين ومائتين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل التحية حيث اجتمعنا نحن أعضاؤها العجزة في منزل أحدنا السيد عبد القادر قباني وهنالك تلا علينا أحدنا الشيخ سعيد الجندي الأحاديث الشريفة النبوية الآمرة بلزوم الإتحاد لخدمة الأمور الخيرية فتعاهدنا على ذلك ووضع كل منا ما ألهمه الله به من النقود رأس مال لصندوقها وكتبنا له تعليمات على شكل على شكل قانون لترتيب داخليتها واجتماعها ومذاكراتها وربط أمورها وأمضى منا بعد التعهد بإنفاذه ومراعاته وقدمنا بذلك عريضة لجانب الحكومة السنية واستدعينا مساعداتها ليحيط علمها بعملنا الخيري كما أننا بادرنا لطبع تلك التعليمات وعرضها على الحكومة والأمة، وبعد القبول والإتكال على الله سبحانه وتعالى ميّسر الخير باشرنا بالأعمال فتوجهت خواطرنا لجعل أعمالنا الخيرية عمومية ينتفع بها عموم أبناء الوطن إلا أن ضيق ماليتنا وقلة وارداتنا وغنى بقية الطوائف عنا وشدّة احتياج طائفتنا ومثل ذلك من الملاحظات جعلتنا نقتصر الآن على العمل بالقول الصادق "إبدأ بنفسك" راجين منه تعالى أن يمكننا من إظهار النيات الإسلامية التي هي محض محبة لخير الناس عموماً فأخذنا أول الأمر نبحث عن الأشد لزوماً لطائفتنا فوجدنا أن أحسن وسيلة لنشر المعارف فيها هو تعليم الإناث منها طرق التربية وما يحتجن إليه من العلوم والصنائع إذ هنّ المربيات الأول وعلى تقدمهنّ المعول فتذاكرنا بإفتتاح مدرسة لهنّ غير أنه لما كان لا يوجد في الجمعية واردات تكفي لمصارفاتها وتؤمن مستقبلها رتب كل منا على نفسه مرتباً شهرياً يدفعه لصندوقها فكان مجموعه كافياً لمصارف تلك المدرسة فافتتحناها واستحضرنا لها المعلمات وجعلنا التعليم بها مجاناً فاجتمع بها تقريباً مائتا تلميذة يتعلمن فيها العلوم اللازمة فأخذت المساعدات من الأهالي تواصلنا وتعضد مشروعنا فما مضت مدة يسيرة بعدها حتى إفتتحنا مدرسة ثانية للإناث أيضاً على نسق الأولى فهرعت إليها التلميذات وبلغ عددهن المائتين والخمسين، ثم بذلت الحكومة المحلية ما بيد إقتدارها من المساعدات لنا وتكرمت علينا بإعطاء محلات متروكة إتخذنا منها مدرستين للذكور بعد تعمير إحداهما تعميراً متقناً، وكانت مشعثة البناء فاجتمع بها من التلاميذ ما ينوف عن أربعمائة يتعلمون أنواع العلوم الإبتدائية مجاناً على أن هذه المدارس الأربع ما زالت سارية في أمر التعليم والإدارة الداخلية توفيقا لنص قوانين الدولة العلية المتعلقة بالمعارف والتدريس فهي ترشح تلامذة الى المدارس التي فوق الدرجة الإبتدائية وسعت أيضاً أي الحكومة السنية، جزاها الله خيراً، بقبول خمسة أولاد نبهاء تلامذة مدارس الجمعية في المدرسة الطبية المقامة في مصر من طرف الخديوية الجليلة فأرسلوا إليها على نفقة الجمعية مصحوبين بتحريرات علية ومأمور مخصوص من طرف الولاية الجليلة وقد رتبت الجمعية لكل من هؤلاء الأولاد الخمسة خمسين قرشاً شهرياً علاوة على ما يعطى لهم من المرتبات المدرسية وقد باشرت الجمعية ببناء مدرستين في محلة راس النبع بأرض اشترتها من مالها مع التصميم على بناء جامع أيضاً في جوارها وقامت ببناء جامع في محلة الأشرفية فهو اليوم تام تقام فيه الصلوات وأنشأت برسم الإيجار والإنتفاع بالريع ثلاثة مخازن في أرض السمطية وعينت لجنة منها لمداواة المحتاجين المرضى والإنفاق عليهم وساعدت بقدر إمكانها الفقراء ورتبت للبعض منهم مرتبات شهرية وهكذا سارت الجمعية في طريق النجاح ببركة الروحانية النبوية وكانت قدوة للجمعيات التي شكلت بعدها في البلاد الشامية فرغبت علماؤنا الأعلام ومشايخنا الكرام والوجوه المحترمون، بالإتفاق مع صاحبي الفضيلة الحاكم الشرعي ومفتي البلدة بإعطائنا بعض الأوقاف الغير مضبوطة فتم ذلك بصدور أمر من الولاية الجليلة مبنياً على مضبطة تقدمت لها من اللجنة المشكلة لذلك فانتفعت أعمال الجمعية بريعها كما انتفعت بما تكرمت به وجوه وأهالي البلدة والبلاد المجاورة من المساعدات مادياً وأدبياً كما ترى في هذه المجموعة والتي ستليها وقد تلقى الجمهور مشروعنا هذا الخيري بكل ترحاب وسرور ومن هذه المجموعة الأولى يظهر مصداق قولنا كما يظهر عجزنا بهذه الخدمة المهمة فنرجو ستر ذلك بذيل العفو والرضى ملتمسين من أهل البر والإحسان التكرّم على هذه الجمعية بما يلهمهم الله به من الخير فإنه يجزي المتصدقين ولا يضّيع أجر المحسنين ونختم هذه المقدمة بالإعتراف بفضل الأعيان العظام من رجال الحكومة الذين ساعدونا على قدر الإمكان شاكرين أفضال ومساعي الجميع داعين الى الله بالتوفيق وحسن الختام.              أأ